فصل: فصل:قد ذكر الله قيام الليل في عدة آيات‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


/وقال شيخ الإسلام ـ قدس الله روحه‏:‏

 فصل

قد ذكر الله قيام الليل في عدة آيات‏.‏ تارة بالمدح، وتارة بالأمر أمر إيجاب، ثم نسخه بأمر الاستح

باب، إذا لم تدخل صلاة العشاء فيه، بل أريد القيام بعد النوم؛ فإنه قد قال سعيد ابن المسيب وغيره‏:‏ من صلى العشاء في جماعة، فقد أخذ بنصيبه من قيام ليلة القدر‏.‏ فقد جعل ذلك من القيام‏.‏

وقد روي عن عبيدة السلماني‏:‏ أن قيام الليل واجب لم ينسخ، ولو كحلب شاة‏.‏ وهذا إذا أريد به ما يتناول صلاة الوتر، فهو قول كثير من العلماء‏.‏

والدليل عليه‏:‏ أن في حديث ابن مسعود لما قال‏:‏ ‏(‏أوتروا يا أهل القرآن‏)‏، قال أعرابي‏:‏ ما يقول رسول الله‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏إنها ليست لك، ولا لأصحابك‏)‏‏.‏ فقد خاطب أهل القرآن من قيام الليل بما لم يخاطب به غيرهم‏.‏

/وعلى هذا قوله‏:‏ ‏{‏فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ‏}‏ ‏[‏المزمل‏:‏ 20‏]‏، فسر بقرائته بالليل لئلا ينساه‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏نظرت في سيئات أمتي‏.‏ فوجدت فيها الرجل يؤتيه الله آية فينام عنها حتى ينساها‏)‏‏.‏ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من صلى العشاء في جماعة‏.‏ فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله‏)‏، أي‏:‏ الصبح مع العشاء‏.‏ فهذا يدل على أنهما ليسا من قيام الليل، ولكن فاعلهما كمن قام الليل‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏15ـ 18‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏17‏]‏، وهذا على أصح الأقوال ـ معناه‏:‏ كانوا يهجعون قليلاً‏.‏ فــ ‏[‏قليلاً‏]‏ منصوب بــ ‏[‏يهجعون‏]‏ و‏[‏ما‏]‏ مؤكدة‏.‏ وهذا مثل قوله‏:‏ ‏{‏بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 88‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 17‏]‏، هو مفسر في سورة المزمل بقوله‏:‏ ‏{‏قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عليه وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا‏}‏ ‏[‏المزمل‏:‏2،4‏]‏، فهذا المستثنى من الأمر هو القليل المذكور في تلك السورة، وهو قليل بالنسبة إلى مجموع الليل والنهار، فإنهم إذا هجعوا ثلثه أو نصفه أو ثلثاه، فهذا قليل بالنسبة إلى ما لم يهجعوه من الليل والنهار، وسواء ناموا بالنهار أو لم يناموا‏.‏

/وقد قيل‏:‏ لم يأت عليهم ليلة إلا قاموا فيها‏.‏ فالمراد هجوع جميع الليلة، وهذا ضعيف؛ لأن هجوع الليل محرم‏.‏ فإن صلاة العشاء فرض‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏15،17‏]‏، وفي حديث معاذ الذي قال فيه‏:‏ يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت‏)‏، ثم قال‏:‏ ‏(‏ألا أدلك على أبواب الخير‏؟‏ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل‏)‏، ثم تلي‏:‏ ‏{‏تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ‏}‏، حتى بلغ‏:‏ ‏{‏يَعْمَلُونَ‏}‏، ثم قال‏:‏ ‏(‏ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه‏؟‏ رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله‏)‏‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏ألا أخبرك بملاك ذلك كله‏؟‏‏)‏ قلت‏:‏ بلي، قال‏:‏ فأخذ بلسانه - فقال‏:‏ ‏(‏اكفف عليك هذا‏)‏، فقلت‏:‏ يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به‏؟‏‏!‏ فقال‏:‏ ‏(‏ثكلتك أمك يامعاذ‏!‏ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم‏)‏‏.‏

/وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْباب‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 9‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏113‏]‏، وقال تعالى بعد قوله‏:‏ ‏{‏أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏78،79‏]‏، وقال في سورة المزمل‏:‏ ‏{‏قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عليه وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عليكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا‏}‏ ‏[‏المزمل‏:‏ 2،6‏]‏‏.‏

وإذا نسخ الوجوب بقي الاستحباب، قال أحمد وغيره‏:‏ و‏[‏الناشئة‏]‏ لا تكون إلا بعد نوم‏.‏ يقال‏:‏ نشأ، إذا قام‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏63،64‏]‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عليكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏23ـ26‏]‏‏.‏ فإن هذا يتناول صلاة العشاء، والوتر، وقيام الليل‏.‏ لقوله‏:‏ ‏{‏وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا‏}‏وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 97،98‏]‏‏.‏ مطلق لم يخصه بوقت آخر‏.‏

والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله وأصحابه وسلم تسليمًا‏.‏

 وسئل عن رجل لم يصل وتر العشاء الآخرة‏:‏ فهل يجوز له تركه‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد الله، الوتر سنة مؤكدة، باتفاق المسلمين‏.‏ ومن أصر على تركه فإنه ترد شهادته‏.‏

وتنازع العلماء في وجوبه، فأوجبه أبو حنيفة، وطائفة من أصحاب أحمد، والجمهور لا يوجبونه‏:‏ كمالك، والشافعي، وأحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر على راحلته، والواجب لا يفعل على الراحلة، لكن هو باتفاق المسلمين سنة مؤكدة لا ينبغي لأحد تركه‏.‏

والوتر أوكد من سنة الظهر والمغرب والعشاء، والوتر أفضل من جميع تطوعات النهار، كصلاة الضحي، بل أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل‏.‏ وأوكد ذلك الوتر، وركعتا الفجر‏.‏ والله أعلم‏.‏

/

 وسئل عما إذا كان الرجل مسافرًا وهو يقصر‏:‏ هل عليه أن يصلي الوتر أم لا‏؟‏ أفتونا مأجورين‏.‏

فأجاب‏:‏

نعم، يوتر في السفر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر سفرًا وحضرًا، وكان يصلي على دابته قبل أي وجه توجهت به، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة‏.‏

 وسئل عمن نام عن صلاة الوتر‏؟‏

فأجاب‏:‏

يصلي ما بين طلوع الفجر وصلاة الصبح، كما فعل ذلك عبد الله بن عمر، وعائشة، وغيرهما‏.‏ وقد روي أبو داود في سننه عن أبي سعيد قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من نام عن وتره أو نسيه، فليصله إذا أصبح، أو ذكر‏)‏‏.‏

/واختلفت الرواية عن أحمد‏:‏ هل يقضي شفعه معه‏؟‏ والصحيح أنه يقضي شفعه معه‏.‏ وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها‏)‏‏.‏وهذا يعم الفرض، وقيام الليل، والوتر، والسنن الراتبة‏.‏ قالت عائشة‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا منعه من قيام الليل نوم، أو وجع، صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة‏.‏ رواه مسلم‏.‏

وروي عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من نام عن حزبه من الليل ـ أو عن شيء منه ـ فقرأه بين صلاة الصبح، وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل‏)‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏ وهكذا في السنن الراتبة‏.‏

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه لما نام هو وأصحابه عن صلاة الصبح في السفر، صلى سنة الصبح ركعتين، ثم صلى الصبح بعد طلوع الشمس، ولما فاتته سنة الظهر التي بعدها صلاها بعد العصر‏.‏ وقالت عائشة‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يصل أربعًا قبل الظهر، صلاهن بعدها‏.‏ رواه الترمذي‏.‏ وروي أبو هريرة عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏من لم يصل ركعتي الفجر، فليصلهما بعد ما تطلع الشمس‏)‏‏.‏ رواه الترمذي، وصححه ابن خزيمة‏.‏

/وفيه قول آخر‏:‏ أن الوتر لا يقضي، وهو رواية عن أحمد؛ لما روي عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا طلع الفجر فقد ذهبت صلاة الليل والوتر‏)‏ قالوا‏:‏ فإن المقصود بالوتر أن يكون آخر عمل الليل، كما أن وتر عمل النهار المغرب؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاته عمل الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولو كان الوتر فيهن لكان ثلاث عشرة ركعة‏.‏ والصحيح أن الوتر يقضي قبل صلاة الصبح فإنه إذا صليت لم يبق في قضائه الفائدة التي شرع لها، والله أعلم‏.‏

 وسئل شيخُ الإسلام عن إمام شافعي يصلي بجماعة حنفية وشافعية، وعند الوتر الحنفية وحدهم

فأجاب‏:‏

قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏صلاة الليل مثني مثني، فإذا خشيت الصبح فصل واحدة توتر لك ما صليت‏)‏، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوتر بواحدة مفصولة عما قبلها، وأنه كان يوتر بخمس، وسبع لا يسلم إلا في آخرهن‏.‏

/والذي عليه جماهير أهل العلم، أن ذلك كله جائز، وأن الوتر بثلاث بسلام واحد جائز - أيضًا - كما جاءت به السنة‏.‏

ولكن هذه الأحاديث لم تبلغ جميع الفقهاء، فكره بعضهم الوتر بثلاث متصلة كصلاة المغرب، كما نقل عن مالك، وبعض الشافعية والحنبلية‏.‏ وكره بعضهم الوتر بغير ذلك، كما نقل عن أبي حنيفة، وكره بعضهم الوتر بخمس، وسبع، وتسع متصلة، كما قاله بعض أصحاب الشافعي، وأحمد، ومالك‏.‏

والصواب أن الإمام إذا فعل شيئًا مما جاءت به السنة، وأوتر على وجه من الوجوه المذكورة، يتبعه المأموم في ذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل عن صلاة ركعتين بعد الوتر‏.‏

فأجاب‏:‏

وأما صلاة الركعتين بعد الوتر، فهذه روي فيها مسلم في صحيحه إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين، وهو جالس‏.‏ وروي ذلك من حديث أم سلمة في بعض الطرق الصحيحة‏:‏ أنه كان يفعل ذلك إذا أوتر بتسع فإنه كان يوتر/ بإحدي عشرة، ثم كان يوتر بتسع، ويصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس‏.‏ وأكثر الفقهاء ما سمعوا بهذا الحديث؛ ولهذا ينكرون هذه، وأحمد وغيره سمعوا هذا وعرفوا صحته‏.‏

ورخص أحمد أن تصلي هاتين الركعتين وهو جالس، كما فعل صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك لم ينكر عليه، لكن ليست واجبة بالاتفاق، ولا يذم من تركها، ولا تسمي ‏[‏زحافة‏]‏ فليس لأحد إلزام الناس بها، ولا الإنكار على من فعلها‏.‏

ولكن الذي ينكر ما يفعله طائفة من سجدتين مجردتين بعد الوتر، فإن هذا يفعله طائفة من المنسوبين إلى العلم والعبادة من أصحاب الشافعي وأحمد، ومستندهم‏:‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر سجدتين‏.‏ رواه أبو موسي المديني، وغيره‏.‏ فظنوا أن المراد‏:‏ سجدتان مجردتان، وغلطوا‏.‏ فإن معناه‏:‏ أنه كان يصلي ركعتين‏.‏ كما جاء مبينًا في الأحاديث الصحيحة، فإن السجدة يراد بها الركعة، كقول ابن عمر‏:‏ حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏ والمراد بذلك‏:‏ ركعتان، كما جاء مفسرًا في الطرق الصحيحة‏.‏ وكذلك قوله‏:‏ ‏(‏من أدرك سجدة من الفجر قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الفجر‏)‏، أراد به ركعة‏.‏ كما جاء ذلك مفسرًا في الرواية المشهورة‏.‏

/وظن بعض أن المراد بها سجدة مجردة، وهو غلط‏.‏ فإن تعليق الإدارك بسجدة مجردة، لم يقل به أحد من العلماء، بل لهم فيما تدرك به الجمعة والجماعة ثلاثة أقوال‏:‏

أصحها‏:‏ أنه لا يكون مدركًا للجمعة ولا الجماعة إلا بإدراك ركعة، لا يكون مدركًا للجماعة بتكبيرة‏.‏ وقد استفاض عن الصحابة أن من أدرك من الجمعة أقل من ركعة صلى أربعًا‏.‏ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة‏)‏‏.‏ وعلى هذا، إذا أدرك المسافر خلف المقيم ركعة، فهل يتم، أو يقصر‏؟‏ فيها قولان‏.‏

والمقصود هنا أن لفظ ‏[‏السجدة‏]‏ المراد به الركعة‏.‏ فإن الصلاة يعبر عنها

بابعاضها، فتسمي قيامًا، وقعودًا، وركوعًا، وسجودًا، وتسبيحًا، وقرآنا‏.‏

وأنكر من هذا ما يفعله بعض الناس من أنه يسجد بعد السلام سجدة مفردة، فإن هذه بدعة، ولم ينقل عن أحد من الأئمة استحباب ذلك‏.‏ والعبادات مبناها على الشرع والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فإن الإسلام مبني على أصلين‏:‏ ألا نعبد إلا الله وحده، وأن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نعبده بالأهوء والبدع‏.‏